العراق : عبد المهدي وتحدّي عودة «داعش»
قبل عام، أعلن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي «النصر العظيم» على «داعش». إعلانٌ جاء عقب ثلاث سنواتٍ من حربٍ طاحنة بين بغداد والمسلحين. قوات أمنية، على اختلاف تشكيلاتها، و«حشدٌ شعبي» شُكّل من عوام المجتمع، خاضوا تجربة قتاليّةً فريدة، أدّت إلى القضاء ــــ بشكلٍ شبه نهائي ـــــ على سيطرة التنظيم الجغرافيّة في عددٍ كبير من المحافظات.
على مدار العام الماضي، وما حمل من استحقاقاتٍ سياسيّة وتحوّلاتٍ مفصلية على المشهد السياسي، اقترن ملف «داعش» والقضاء عليه بهذه الاستحقاقات عند إجراء الانتخابات، ومن ثم تشكيل التحالفات النيابية، وصولاً إلى تسمية عادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء، وتشكيله (المستمر) لـ«كابينته» الوزارية. حضور هذا الملف لا يقتصر على النقاش المحلّي فقط، بل يتعدى حدود البلاد إقليميّاً ودوليّاً. من الناحية الميدانيّة، يُرسم من خلال هذا الملف شكل علاقات بغداد مع الجوار بالدرجة الأولى، ومن ثم خارطة انتشار القوات الأجنبية في البلاد (وتحديداً القوات الأميركية، بحجّة مكافحة الإرهاب) بالدرجة الثانية.ميدانيّاً أيضاً، لا يقتصر الإنجاز على القضاء العسكري، أو المادي، على التنظيم. هذا الإنجاز هو تأسيس لمرحلة جديدةٍ من تاريخ البلاد: «عراق ما بعد داعش». أسئلةٌ كثيرةٌ تطرح حول مساراتٍ رسمت ملامحها الأولى مع إعلان العبادي الشهير؛ لعل أبرزها مستقبل التنظيم المتطرّف، ومصير مؤسسة «الحشد»، وموقع العراق من التشابك الإقليمي القائم، ولا ينتهي الأمر بتوجهات حكومة عبد المهدي «غير المكتملة» حتى اللحظة.
في كلمته أمس، رسم عبد المهدي بعض توجهات حكومته في المرحلة المقبلة على هذا الصعيد. قال إن «العراق سجّل أكبر نصرٍ على قوى الشر والإرهاب». وتعهّد بـ«عودة النازحين وإعمار مدنهم» إضافةً إلى «تقديم الخدمات، وفرص العمل للمحافظات التي ساهمت في تحقيق النصر»، مؤكّداً أن «النصر النهائي الذي نصبو إليه هو تحقيق الرفاه لشعبنا، والقضاء على الفساد». عبارات الرجل المنتقاة تخدم توجهاته الكُليّة التي أسّس عليها «منهاجه الوزاري»، لكن التحدّي الفعلي الذي يواجه حكومته ــــ على صعيد مكافحة الإرهاب ـــــ «تجزّئه» مصادر سياسية وعسكرية عديدة، وفق منظورها.
ينقل قياديٌّ بارزٌ في «تحالف الإصلاح» أن إيجاد رؤية متكاملة لمكافحة الإرهاب والتطرّف على الصعيد الفكري، هو أمر منوطٌ بلجانٍ وزارية ــــ نيابية مشتركة، يمكنها أن تحوّل تلك الرؤية إلى مشاريع وسياسيات تنفيذية، عمادها الرئيس عودة النازحين إلى ديارهم، والعمل على إعادة صهر تلك العوائل في منظومة اجتماعيّةٍ واحدة، تحمل ذات المبادئ والقيم.
وعلى الصعيد الميداني، يلفت مصدرٌ أمني إلى ضرورة «إعداد خطّة واضحة، هدفها القضاء النهائي على وجود فلول المسلحين وخلاياهم النائمة، في المحافظات الشمالية والغربية، وعند الحدود العراقيّة ــــ السورية»، وذلك حتى لا يكون لهؤلاء حواضن خصبة اجتماعيّةً كانت أو جغرافيّة؛ عندها، لا يمكن أن يعيد التنظيم «إنتاج» نفسه.
سياسياً، فإن الإسراع في إتمام تشكيل الحكومة هو تحدّ آخر، مرتبطٌ بشكلٍ مباشر بمواجهة «داعش»، خصوصاً أن وزارتي الداخلية والدفاع لا تزالان شاغرتين، نتيجة الاشتباك السياسي القائم. ورغم تأكيد مصادر رئاسية ـــــ في حديثها إلى «الأخبار» أمس ــــ أن تمرير الحقائب الثماني الباقية سيكون في جلسة الأسبوع المقبل، فإن برامج الوزارتين على هذا الصعيد لم تنضج بعد، وهو أمرٌ يحتاج إلى أسابيع عدّة من النقاش والتخطيط، والتأخير هنا ــــ بمعزلٍ عن حجج الائتلافين النيابيين ـــــ لا يخدم هدف عبد المهدي في القضاء على «داعش».
أما على صعيد الاستفادة من التجربة، وتسييلها، فتطرح مصادر عسكرية في حديثها إلى «الأخبار» سؤالاً بارزاً يتصدّر نقاشات وزارة الدفاع: كيف يمكن الاستفادة من تجربة السنوات الماضية، على صعيد المؤسسات العسكرية التابعة للوزارة من جيشٍ و«حشد»؟ الجواب، أيضاً، في حوزة تلك المصادر، التي تؤكّد أن النقاشات الدائرة في «الحشد» تخطّت بأشواط تلك الدائرة أيضاً في أروقة الجيش، حيث يجري «الحشد» تقييماً تفصيلياً لتجربته، من ناحية هيكلة قواته، وصياغة عقيدته القتالية بإشرافٍ مباشر من نائب رئيس «الهيئة» أبو مهدي المهندس، في حين أن الجيش يقود حراكاً مماثلاً إلا أنه بطيءٌ بعض الشيء نتيجة البيروقراطيّة الحاكمة في منظومته الإدارية أوّلاً، وإحالة قادته البارزين إلى التقاعد ثانياً، وتمسّك بعض قادته بإجراء هذه المراجعة بحضور «الاستشارة» الأميركية ثالثاً.
عملياً، لم ينته تحدّي «داعش»، وإن كان الانتصار «جغرافيّاً»، إلا أن تثبيت الإنجاز في الميدان السياسي ــــ الاجتماعي ما زال صعباً بعض الشيء، وهو أمرٌ قد يحتاج إلى فترةٍ تفوق السنوات الثلاث الماضية، خاصّةً أن الاشتباك القائم محليّاً وإقليمياً يدفع أحياناً باتجاه القضاء على ذلك التنظيم، أو «يفرمل» ذلك الاندفاع.
الأخبار
إضافة تعليق جديد