الصندوق الأسود يتحول إلى اللون الرمادي
جاءت فكرة تركيب جهاز كشف السرعة, أو ما عرف باسم (الصندوق الأسود)، على سيارات نقل الركاب والشاحنات بناء على اقتراح من اللجنة الوطنية الدائمة للسلامة المرورية -وهي لجنة تتألف من عدة جهات بهدف تأمين السلامة المرورية والحد من الحوادث الناجمة عن السرعة الزائدة- ومن وزارة الداخلية, ثم تبنت وزارة النقل هذا المقترح, لكنه لم يصبح حقيقة واقعة حتى الآن, بسبب كثرة المعارضين والمشككين بجدواه له من القطاعين العام والخاص.. التحقيق التالي يلقي الضوء على هذه القضية وملابساتها..
يقول خالد سائق ميكرو باص بين دمشق وريفها: أعتقد أن تركيب هذا الجهاز سوف يضيف تكلفة زائدة على السيارة تضاف إلى الرسوم والضرائب الأخرى لتشكل عبئا على عبء, كما أنني أشك في جدوى مثل هذا الجهاز, الذي لن يمنع الحوادث, لأن للحوادث أسباباً أخرى غير السرعة الزائدة, فالكثير من الطرقات لدينا مزدحمة, ولا تسمح بالسرعة أصلا..
لا يكتفي محمد, سائق شاحنة, برفض الصندوق الأسود وحسب, بل ويعتبر أن تركيبه لن يفيد إلا جهة واحدة ألا وهي الشركات, التي ستورد هذا الجهاز وتتولى تركيبه وصيانته, ويعتبر أن السائق هو المتضرر الأكبر في النهاية, وهناك العديد من التجارب السابقة الشبيهة بهذا الأمر..
ويعتبر فراس, سائق باص, أن من المبكر الحكم على هذا الجهاز, لأننا لم نجربه, وبالتالي لم نر نتائجه على أرض الواقع حتى الآن, فربما تكون النتائج مغايرة لتوقعاتنا, فنحن جميعا معنيون بالحد من الحوادث, لأن لا أحد يرغب بأن نفقد المزيد من الضحايا يوما بعد آخر..
ويعتبر أحمد, صاحب شركة نقل ركاب, أن هناك العديد من الأشياء, التي تجب معالجتها قبل التفكير بهذا الأمر منها مثلا: المطبات الصناعية, وعدم وجود شاخصات ولوحات إرشاد للسائقين, وسوء إسفلت الطرقات وخاصة السريعة, وعدم كفاءة ومهارة السائقين في كثير من الأحيان, ما يستدعي توعيتهم وتدريبهم, إضافة للتشديد في اختبارات رخص قيادة السيارات..
في الوقت الذي ترفض فيه عدة جهات هذا الجهاز, فإن لمديرية النقل الطرقي, بصفتها الجهة المسؤولة عن مشروع )الصندوق الأسود) في وزارة النقل, رأيا مختلفا, إذ تدافع على لسان مديرها السيد إبراهيم عميرة عن المشروع بصفته حلا مناسبا للتقليل من حوادث السير, التي تقف وراء 85% من الحوادث حسب بعض المعطيات, إذ يقوم الجهاز بتسجيل المعلومات والمخالفات التي قد يرتكبها السائق لمدة 48 ساعة, ومن المعلومات التي يقوم الجهاز بتخزينها: بداية ونهاية الرحلة, معدل السرعة والسرعة القصوى, الانطلاقات السريعة, خروقات بعض الثوابت المدخلة إلى الجهاز أصلا, مدة التوقف وزمنه, معلومات عن السيارة في الدقائق الأخيرة قبل الحادث, وقت بداية ونهاية أي حادث, وغير ذلك من المعلومات, كما أن تركيب هذا الجهاز مطبق في العديد من الدول الأجنبية والعربية كمصر, التي طبقته مؤخرا ضمن برنامج تدريبي تأهيلي للسائقين هناك.
ويضيف عميرة ستكون السيارات العامة والخاصة من الميكروباص والباصات الكبيرة والشاحنات التي يزيد وزنها القائم عن 11 طنا والسيارات العاملة على النقل الدولي من وإلى سورية, مشمولة بهذا القرار, وتم تقدير عدد هذه السيارات بشكل مبدئي بحدود 30000 سيارة, وقد حددت نهاية المخطط التنظيمي لمدينة دمشق كبداية لتطبيق القرار, بحيث يتم إلزام السيارات التي يكون عملها خارجه, أي السيارات العاملة بين دمشق وريفها ودمشق والمحافظات بتركيب هذا الجهاز.
وعن سعر الجهاز وآخر موعد لتركيبه, يقول عميرة ستكون تكلفة الجهاز بحدود 22000 ليرة سورية, وسوف تكلف الوزارة عدة شركات خاصة بتوريد هذا الجهاز وبيعه للسائقين والشركات عبر مراكز خدمة وصيانة, وقد انتهت المهلة التي سبق أن حددناها في 1/4/2006م لعدم جاهزية المشروع من النواحي الفنية, ومن المقرر أن يكون الجهاز قد ركب على جميع السيارات المشمولة بالقرار قبل نهاية 2007م, حيث سيتم تحديد السرعة لجميع المركبات قبل انتهاء مهلة التركيب بشكل نهائي.
لا بد من التأكيد على أهمية توعية وتثقيف السائقين قبل البدء بتركيب هذا الجهاز كي لا يكون هذا المشروع كغيره من المشاريع, التي لم تلق قبولا من السائقين, ليس لأنها غير مجدية أو مكلفة, بل بسبب عدم توعية المشمولين بالقرار بفوائد هذا المشروع وأهميته للأمن والسلامة المرورية العامة, فضلا عن السلامة الشخصية للسائق وسيارته, نقول هذا حتى لا تبقى مشاريعنا وخططنا بواد وسائقونا بواد آخر, ويكفي للتدليل على ذلك النظر إلى عدد السيارات التي فيها أجهزة حريق وإنذار, أو السائقين الذي يلتزمون بربط حزام الأمان رغم التشديد عليه هذه الأيام من قبل دوريات المرور.. ولعل وزارة الداخلية والنقل ولجنة السلامة المرورية من أولى الجهات المعنية بنشر وإشاعة وعي وثقافة الأمن والسلامة المروريتين, فهل تفعل؟
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد