إسرائيل تحاول الاستفادة من الحرب على «داعش»
تعلن إسرائيل جهاراً قلقها من وجود تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» ومن مخاطر تمدّد هذه الحركة الأصولية، لكنها سراً تبدي خشية لا تقل عمقاً من كثافة الاهتمام العالمي بهذه الظاهرة.
ولذلك تحاول إسرائيل طوال الوقت تأكيد وجوب أن يطفو على سطح الاهتمام العالمي الخطر النووي الإيراني، ووجود حركات مقاومة مثل «حماس» و«حزب الله» واعتبارها «دواعش» محلية لا تقل خطراً.
ورغم الأحاديث الكثيرة عن اهتمام الإدارة الأميركية ببلورة تحالف عالمي ضد «داعش»، وتأكيد جهات مختلفة دوراً إسرائيلياً في هذا التحالف، إلا أن صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية كشفت أمس أن مسؤولين إسرائيليين حذروا الإدارة الأميركية من أن الحملة التي تقودها ضد «الدولة الإسلامية» ستعزز المطامح الإيرانية للهيمنة الإقليمية. ومعروف أن الجلسة الأخيرة في الحوار الاستراتيجي الأميركي ـ الإسرائيلي انتهت أمس الأول في العاصمة الأميركية، وكانت مساعي محاربة «داعش» على الطاولة فيها.
ولا يقلّل من قيمة هذا الموقف الإسرائيلي أنه على هامش مداولات لجنة الحوار الاستراتيجي، والتي قادها من الجانب الإسرائيلي وزير الاستخبارات يوفال شتاينتس، أجرى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للمرة الأولى نقاشاً حول «داعش» على مستوى الحكومة.
ورغم أن ظاهر الأشياء أن النقاش خصّص لاستيضاح خطر «الدولة الإسلامية» إلا أنه في جوهره كان لاستيضاح عواقب الحرب العالمية على «داعش». وكما سلف لا يخفي إسرائيليون كثر خشيتهم من تمدّد التنظيم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، بل وإلى صفوف فلسطينيي 48، لكن الموقف الرسمي يرى أن هناك أخطاراً أكثر جدية من «داعش» ووجوده. وفي كل حال فإن النقاش داخل جلسة الحكومة ركّز في جانبه العملي على الأدوات القانونية المتوفرة لمواجهة مخاطر تمدّد «داعش» وإنشاء خلايا له داخل إسرائيل. ويستكمل النقاش عملياً قرار وزير الدفاع موشي يعلون بإعلان «الدولة الإسلامية» اتحاداً غير مسموح، الأمر الذي يسمح بملاحقة أعضائه قانونياً.
ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية أمس عن ضابط رفيع المستوى في قيادة الجبهة الوسطى قوله إنه لم يلحظ بعد وجود أي تنظيمات أو تماثل مع «داعش» في الضفة الغربية. وأضاف أن هناك «حدوداً للمعركة» تتشارك فيها إسرائيل والفلسطينيين، وتلعب فيها عوامل كثيرة، بينها الولايات المتحدة ودول غربية وجهات فلسطينية. ومع ذلك قال «أنا لن أسقط مغشياً علي إذا ما نشأ بعد نصف عام فرع لداعش في طوباس، أو سمعنا عن شاب من يافا يسافر للقتال في سوريا».
وأمس حذرت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها من «مكارثية» جديدة قد تنشأ في إسرائيل، جراء الميل إلى ملاحقة، ليس فقط من ينتمي تنظيمياً إلى «داعش»، وإنما أيضاً «من يُعرب عن تعاطفه معه». وأشارت إلى أن أوساط الاستخبارات الإسرائيلية قالت في الجلسة إنه ليست للتنظيم بنية راسخة، لا في إسرائيل ولا داخل المناطق الفلسطينية، وإن أكثر ما في الأمر أن هناك تعاطفاً غير معروف المدى. لذلك استغربت «هآرتس» تشديد الإجراءات القانونية ضد المنتمين والمتعاطفين من دون التمييز بين الاثنين، ما يمكن أن يقيد من حرية التعبير، خصوصاً في أوساط فلسطينيي الـ48.
وفي خطابه أمام مؤتمر هرتسليا لمكافحة الإرهاب أمس الأول، أعلن نتنياهو وجوب زيادة ميزانية الأمن بسبب أنه «يستحيل خوض حروب الماضي». وربط، في مستهل كلمته، بين حربه على غزة والحرب العالمية على الإرهاب، حيث استذكر تدمير برجَي التجارة العالمية في نيويورك، وتحدّث عن الأبراج السكنية في غزة التي أقدم على تدمير بعضها، حين قال «في غزة وقف الناس فوق الأسطح ووزعوا الحلويات، عندنا تألموا للحادث. حماس في غزة وصفت (زعيم القاعدة أسامة) بن لادن بأنه قديس مسلم، واحتفلت بتدمير البرجين». وأضاف أن «حماس مثل القاعدة، مثل منظمة الشباب الإرهابية وجبهة النصرة أو داعش. جميعهم يلحقون الضرر بالأمن العالمي ويعرضوننا للخطر».
وقال نتنياهو إن على إسرائيل التزود بالمزيد من بطاريات «القبة الحديدية» وأمثالها، فضلا عن التزود بالكثير من الأسلحة الهجومية والصواريخ الدقيقة. وأعرب عن تأييده لحملة الرئيس الأميركي باراك أوباما العالمية ضد «داعش»، قائلاً إن «إسرائيل تدعم تماماً دعوة أوباما، وتقدم مساهمتها للائتلاف العالمي، وهي تنفذ دورها في محاربة داعش. وقسم من الأمور معروف أكثر وقسم معروف أقل»، لكنه شدّد على وجوب «ألا نسمح بالإرهاب الشيعي فيما نوشك على محاربة الإرهاب السني. محظور علينا أن نسمح للمتطرفين الشيعة بتعزيز قوتهم من أجل أن نضعف المتطرفين السنة. محظور علينا السماح، للمتطرفين الشيعة وللمتطرفين السنة، بامتلاك سلاح نووي».
ويعتقد بعض الخبراء في إسرائيل أن انسياق حكومة نتنياهو خلف الحملة العالمية لمحاربة «داعش» فيه نوع من الازدواجية، حيث من ناحية ترغب الحكومة في صرف أنظار الجمهور الإسرائيلي عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة ومن ناحية أخرى تحقيق مكاسب سياسية عبر المشاركة في هذه الحملة. وليس صدفة أن نتنياهو والعديد من الوزراء يطلقون تعابير جديدة، بينها أن المحيط العربي وأنظمته باتت لا ترى في إسرائيل عدواً بل شريكاً في محاربة العدو الجديد.
وترتاح إسرائيل جداً لما يشاع في الصحافة العالمية من أنها تؤدي دوراً بارزاً في الحرب ضد «داعش»، عبر تقديمها معلومات استخبارية مهمة. لكن كثراً في إسرائيل يقولون إن «الدولة الإسلامية» لم يكن البتة ضمن الغايات الاستخبارية الأهم لدى الأجهزة الإسرائيلية، التي كانت ولا تزال معنية بشكل أساسي بالجهات التي تحاربها، وتشكل خطراً مباشراً عليها، وليس بتلك التي قد تغدو خطراً كهذا في المستقبل.
حلمي موسى
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد