«تام تام».. طبل ساحل العاج المهدد بالاندثار
تعتبر طبول «تام تام»، التي يطلق عليها سكان ساحل العاج أيضاً اسم «دجمبي»، آلة موسيقية أفريقية فريدة وجوهرة تقليدية، غير أنها تواجه اليوم، أزمة حقيقية جرّاء تفاقم آفة إزالة الأشجار في البلاد، ما يهدّد باندثار نوع من الأشجار النادرة تشكّل المواد الأولية المستخدمة لصنع هذه الآلات الموسيقية.
وتهدد حرائق الغابات وعمليات إزالة الأشجار، إضافة إلى الاستغلال غير المشروع لبعض أنواع الخشب التي تستخدم لصناعة الطبول، على غرار شجرة «لو نكي»، الثروة الغابية، بحسب ما يؤكد عاملون في هذا المجال.
ديمي باكاري، عازف الإيقاع من أصول مالية، وزميله باكايوكو مامادي، الذي يتحدر من أصول غينية، يعملان ضمن مجموعة «فوليبا» الفنية، التي أنشئت في مدينو بواكيه الواقعة وسط ساحل العاج، يعتبران أنّ «صناعة التام تام تعدّ إرثاً تقليدياً توارثته أجيال الأسر التي تمتهن الحدادة ومهنة الحكواتي، فنحن نعيش بالدجمبي ومعه».
داخل ورشته، غطّى باكاري طبل «تام تام» المصنوع من جلد الماعز، قبل أن يمسك بخيوطه، وهو يسرد تاريخ هذه الآلة.
«يتعيّن على المرء، في سابق العصور، أن يكون حكواتياً لكي يقرع طبل دجمبي، فالحكواتي يحتاج إلى دعم أو أداة استقطاب لجمع سكّان القرية حوله، وسرد حكاياته، كما أنّ قارع الطبل يلقب بتاماني، بحسب أسلافنا»، يشرح باكاري بفخر.
ويوضح باكاري ومامادي أنّ «الأجيال السابقة كانت تعزف الدجمبي، من أجل أن تحظى بشرف فعل ذلك، وليس من أجل كسب النقود»، مضيفَين أن «التام تام مكّن العديد من الأسلاف من السفر إلى فرنسا وسويسرا وهولندا، وحتى إلى الولايات المتحدة وجزيرة لارينيون الفرنسية، للمشاركة في مختلف المهرجانات والكرنفالات».
وتعلّم الصديقان العزف على «الدجمبي» في ساحل العاج ومالي. وتضمّ ورشتهما طبولاً يطلقان عليها اسم «دووم دووم»، ذات أشكال دائرية، إضافة إلى «الدجمبي» المنتفخ، والذي يوضع «أسفل البطن ويرتكز على داعم»، بحسب باكاري، موضحاً أن صناعة تلك الطبول تتمّ عبر جذوع أشجار «نغوني لي نكي»، أو «ليروكو»، غير أنّ المصنّعين ينجذبون بشكل عام إلى شجر «لي نكي» أكثر من غيره، لصناعة هذه الآلات الموسيقية.
ويشير مامادي، الذي يعتبر من بين أفضل قارعي الطبول في ساحل العاج، إلى أنّه «بات من الصعب الحصول على خشب هذه الشجرة بسبب إزالة الأشجار وحرائق الغابات وارتفاع أسعارها نظراً لندرتها»، لافتاً إلى أنّ «الدجمبي المصنوع من خشب تلك الأشجار يعرض للبيع في أوروبا مقابل 400 دولار».
ويلفت مامادي إلى أنّ «الشجرة الواحدة تمكّن من الحصول على سبعة أو ثمانية طبول»، وأنّ الأوروبيين «كانوا يقبلون، قبل اندلاع الأزمة في ساحل العاج (2002 - 2011) على ابتياع هذه الطبول لقاء مبلغ يتراوح بين 80 إلى 150 دولاراً للطبل الواحد»، موضحاً أنّ الأزمة تسببت في تراجع أعداد الزبائن لينحصروا في «المجموعات الترفيهية والفرق المسيحية ممّن تدفع ما بين 40 إلى 50 دولاراً من أجل الحصول على تام تام».
من جهته، يشرح مسؤول رفيع المستوى من «الإدارة الإقليمية للمياه والغابات» في منطقة «جبيكي» التابعة لـ «بواكيه»، أن «نقص الأخشاب يعود في الأساس إلى استنزاف الثروة الغابية، منذ نهاية القرن التاسع عشر، كما تسببت إزالة الأشجار في تقلص الغابات في البلاد إلى حدود 2.6 مليون هكتار، أي 10 في المئة من مساحتها الإجمالية التي كانت تبلغ في العام 1965 تسعة ملايين هكتار، و12 مليوناً في 1950، وقبلها، وتحديداً، بداية القرن العشرين، كانت تناهز الـ 15 مليون هكتار».
(«الأناضول»)
إضافة تعليق جديد