بازار الأفكار
حياة السوريين تشبه لعبة البوكر التي لا تنتهي، حيث الوطن يشبه طاولة مستديرة تدور من فوقها وتحتها أحداث اللعبة، بينما يتداول اللاعبون دور الذئب والنعجة ضمن جدلية الزمان والمكان الهيغيلية.. وأسوأ ما يحصل لواحدنا أن يبقى أسير فكرته عن اللعبة بدلاً من أن يواكب تغيراتها على أرض الواقع.. فمستشارنا الاقتصادي الوسيم أسير فكرته عن لعبة الإصلاح، ومنافسه رئيس الحكومة الوديع كذلك، وضدهما المشترك حسن عبد العظيم أيضاً حبيس فكرته عن الإصلاح.. نبيل سكر وعارف دليلة ورياض سيف وعشرين مليون سوري يظنون بدورهم أن فكرتهم أكثر جلاء من أفكار آدم سميث وإنجلز ومهاتير محمد... ولأننا جميعاً نعرف شيئاً عن كل شيء وكل شيء عن لا شيء فقد وصلنا إلى المستقبل الذي تشير إليه إصبعنا الوسطى.. المستقبل الذي صار خلفنا ومؤخرنا الذي تعبث به الأفكار وصندوق النقد الدولي..
ولأن الشك بداية الإيمان وجب علينا أن نشك بأفكار الجميع، ذلك أن التمسك بفكرة ما إلى درجة إلغاء وجودنا من أجل تحقيق وجودها هو نوع من المراهقة العقلية التي تضيع صاحبها.. ومن يتبعه أيضاً، ولنا أسوة في مفكرينا الاشتراكيين الذين تمكنوا فقط من جعلنا نتوقف في طوابير طويلة أمام المؤسسات الاستهلاكية والسجون السياسية، تماماً كما يفعل مفكرونا السوقيين اليوم (نسبة إلى دعاة السوق الاجتماعي...) حيث يدفعونا للوقوف في طوابير القروض البنكية والمصحات النفسية..
واليوم، الأول من تموز، ولمناسبة مرور نصف قرن على مجيئي إلى هذا الوطن المفخخ باليقين، أعلن توقفي عن التفكير والتنظير والتكفير، نكاية بالأذكياء والمثقفين وعموم المفكرين، الموالين والمعارضين، الذين خرّبوا البلد على أحسن تقويم، وأعلن انتمائي إلى مذهب الطباخين، حيث جنة التين والبصل واللحم واليقطين، فلا عين ترى ولا قلب يدمع أو عقل يُخدع، وإنما بلعوم يبلع وبطن يشبع ومصران يدفع نحو عالم أوسع من طاولة الأفكار الوطنية، التي لم يستطع مصنعوها أن يصدروها خارج حدودنا السورية، منذ نصف قرن إلى اليوم، لذلك اضطروا أن يبلعونا إياها بالعافية، أقصد السمنة وليس زيت العافية..
نبيل صالح
المصدر: جريدة "الخبر" الأسبوعية
التعليقات
كل مرة بقرا
بلا عناوين أفضل ..
غشتالتية الكوى
غشتالية الكوى... وعلم النفس التحليل
سولد .. على الدوام
إضافة تعليق جديد