شروط القضاء على البطالة في الدول العربية
تعاني غالبية الدول العربية منذ عقود من أزمات بطالة تختلف حدتها من بلد إلى آخر. وتقدر المنظمات العربية المتخصصة نسب العاطلين عن العمل فيها بين 12 و25 في المئة. وتبرز هذه النسب بشكل خاص في صفوف الشباب الذين يواجهون صعوبات جمة في دخول أسواق العمل بسبب عجزها عن استيعابهم. ويعود هذا العجز إلى أسباب عدة من أهمها ضعف معدلات النمو الحقيقة من جهة، وارتفاع نسب النمو السكاني من جهة أخرى. ومع إقرار الجهات الرسمية والخاصة المعنية بخطورة مشكلة البطالة، فإن السؤال المطروح الذي تصعب الإجابة عليه هو: كيف يمكن مواجهة هذه المشكلة أو التقليل من حدتها بشكل ملموس على الأقل؟
في معرض الإجابة على هذا السؤال تختلف الوصفات وتتعدد الاجتهادات. غير أن هذه الوصفات تتضمن جميعها ضرورة محاربة البيروقراطية، كونها تشكل العثرة الأكبر في وجه مكافحة البطالة، فلا يكادا يخلو مؤتمر أو لقاء أو تقرير أو برنامج على علاقة بالإصلاح الاقتصادي، من التأكيد على هذه الضرورة. ويتحدث المتفائلون في هذا السياق على سبيل المثال عن إمكان خلق عشرات ملايين فرص العمل الجديدة في دول الاتحاد الأوروبي، إذا تمكنت حكوماتها من كسب حربها المعلنة على البيروقراطية. وتأكيداً على ذلك أظهرت دراسة أعدها معهد الدراسات الاقتصادية في مدينة كولونيا الألمانية ونشرت أخيراً، أنه يمكن خلق أكثر من 4 ملايين من هذه الفرص خلال السنوات الـ15 المقبلة، إذا تراجع تدخل الدولة وبيروقراطيتها في الاقتصاد الألماني. وإذا كانت هذه هي الحال بالنسبة لبلد مثل ألمانيا، فكيف سيكون الوضع في الدول العربية التي لا تعاني غالبيتها الساحقة من القوانين البيروقراطية المعقدة، وإنما من سوء تطبيقها وتحكم الموظفين الصغار بهذا التطبيق من دون رقابة تذكر في أحيان كثيرة.
أما الدواء الذي يأتي في الأهمية بعد البيروقراطية، فهو تشجيع روح المبادرة ودعم إقامة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ولا يعني هذا الأمر تقديم الدعم المالي على شكل هبات أو قروض ميسرة وحسب، بل يعني أيضاً تأهيل الشباب بالشكل الذي يساعد على إشاعة ثقافة عمل يشكل محورها الثقة والاعتماد على النفس بدلاً من انتظار الحلول من الدولة. ومعروف أن تدخل الدولة القوي خلال العقود الأربعة الماضية في الحياة الاقتصادية العربية، خصوصاً في سوق العمل، أضعف فيها روح المبادرة وأشاع ثقافة الكسل عند كثيرين، على أساس أن الحكومة مسؤولة عن الوظائف وليس هم أنفسهم. ومن أجل تجاوز هذه المشكلة لا بد من تقليص تدخل الدولة في الاقتصاد بحيث يقتصر على توفير الإطار الملائم للمبادرات الخاصة على أساس تكافؤ الفرص، وليس المحسوبيات والعلاقات الشخصية كما هو مألوف في الوقت الحاضر.
أثبتت تجارب كثير أيضاً في العالم العربي، نجاحاً كبيراً في إيجاد فرص العمل من خلال الحد من البيروقراطية. ولعل تجربة إمارة دبي خير مثال على ذلك. فبفضل تقليص الوقت اللازم لإجراءات إنشاء الشركات والمؤسسات الاقتصادية إلى أيام، جذبت الإمارة آلاف الشركات الأجنبية والمحلية خلال السنوات العشر الماضية. وعلى سبيل المثال توجهت أكثر من 400 شركة ألمانية لممارسة نشاطها من هناك خلال السنوات القليلة الماضية، على رغم ما هو معروف عن الألمان من تحفظ إزاء الاستثمار المباشر خارج بلدهم.
أما في ما يتعلق بالنجاح في إيجاد فرص عمل جديدة من خلال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فإن بلداناً آسيوية وأوربية مثل تايلاند وتايوان والدانمرك وفنلندا تقدم مثالاً يُحتذى. إذ فاستطاعت هذه البلدان بفضل برامج الدعم المالي والاستشاري التي رعتها حاضنات اقتصادية، إيجاد فرص عمل للغالبية الساحقة من جيلها الجديد خلال العقدين الماضيين. وتشكل هذه الغالبية حجر الأساس للفئة الوسطى التي هي قاطرة الاقتصاد، خصوصاً في البلدان ذات الاقتصاديات الصغيرة والمحدودة الحجم.
وعلى رغم التقدم الكبير الذي حققته الدول العربية في مجال الحد من نفوذ البيروقراطية وتعقيداتها، فإن عبأها ما يزال يثقل على الجميع. وعليه فحري بهذه الدول أن تبادر إلى الاستفادة من التجارب العربية والعالمية التي استطاعت حصر هذا النفوذ في الحدود الدنيا الضرورية. وفي إطار الضرورات، فإن الأولوية في برامج الدعم الحكومي يجب أن تُعطى لتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة كونها تناسب اقتصادات الدول العربية ذات الأحجام الصغيرة والمحدودة أكثر من غيرها في الوقت الحاضر. كما أنها تنطوي على درجة أقل من المغامرة قياساً بالمشاريع الكبيرة.
إبراهيم محمد
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد