تناسخ الارواح: هل ذكريات الحياة السابقة هي ذكريات حقيقية؟
تناسخ الأرواح أو التقمص حسب فهم من يؤمنون بالفكرة، هو انبعاث الروح أو بعض جوانبها من جديد بعد وفاة صاحبها. ويختلف تفسير الديانات والفلسفات لهذه الفكرة، لكن معظم الديانات التي تؤمن بتناسخ الأرواح تعتبره الطريق إلى النقاء والخلاص. كما يعتبر التناسخ فكرة مسلما بها في الديانات المشرقية، وأبرزها الهندوسية والبوذية، وله حضور في الفلسفة اليونانية القديمة، بينما حضوره في الديانات الإبراهيمية يبقى مقتصرا على بعض المذاهب فقط. سنقوم في هذه المقالة برؤية كيف سعى المجتمع العلمي لدراسة التناسخ.
دعاة تناسخ الارواح والحياة السابقة يجهلون مصادر ذكرياتهم
أظهرت دراسة حديثة نسبيا أن الأشخاص الذين لديهم ذكريات متعلقة بحياة سابقة، هم أكثر عرضة من غيرهم لعدم القدرة على تذكر مصدر أية معلومة معينة. فقد اختبر قائد الدراسة مارتن بيترز من جامعة ماستريخت في هولندا مرضى “معالجي التناسخ” الذين يستخدمون التنويم المغناطيسي لمساعدة مرضاهم على تذكر “الحياة السابقة”، والتي يعتقد الزبائن أنها أصل المشاكل الحالية.
قُدم للأشخاص الخاضعين للدراسة اختبار ذاكرة، يعرف باسم ‘نموذج شهرة زائفة”، وطُلِب منهم خلاله قراءة لائحة أسماء غير مألوفة. وفي اليوم التالي، عُرضت عليهم لائحة تشتمل على هذه الأسماء الجديدة، وأسماء أشخاص مشهورين. فكانت النتيجة أن الأشخاص الذين يزعمون أن لديهم ذكريات حياة سابقة، كانوا أكثر عرضة للخطأ ممن لا يعتقدون بالتناسخ، نظرا لخلطهم الأسماء التي تلوها في السابق مع أسماء الأشخاص المشهورين، وتصنيفهم لها على أنها أسماء أشخاص مشهورين.
ووجد الباحثون أنه مقارنة بالأشخاص الذين يستبعدون فكرة التناسخ، فإن الأشخاص الذين يؤمنون بوجود حياة سابقة، كانوا معرضين للخطأ في تحديد الصور بمعدل الضعف تقريبا. ويميلون بالخطأ إلى تحديد الأسماء غير المشهورة والتي رأوها في الجزء الأول من الاختبار، على أنها أسماء مشهورة. ويدعى هذا النوع من الخطأ بخطأ تحديد المصدر، والذي يشير إلى الشخص الذي يجد صعوبة في التعرف على مصدر المعلومة.
وفي هذه الحالة، فإنهم لا يستطيعون تذكر مصدر الأسماء غير المشهورة، وهذا مهم لأن الأخطاء في تحديد المصدر، هي المرحلة الأولى في سلسلة أحداث، يعتقد علماء النفس أنها تؤدي إلى ذكريات زائفة.
يقول مارتن بيترز (Maarten Peters) من جامعة اوستريخت في هولندا أن “الأشخاص المعرضين لارتكاب هذه الأنواع من الأخطاء، قد ينتهي بهم المطاف بإقناع أنفسهم بأشياء غير صحيحة. وعندما يخضع هؤلاء للتنويم المغناطيسي، ويطلب منهم مرارا أن يتحدثون عن فكرة محتملة — كحياة سابقة — مفترضة، يصبحون أكثر تعايشا مع الفكرة، ويحولون الفكرة في النهاية، إلى ذكرى زائفة مكتملة.
ويضيف بيترز “وبمجرد تحقيق الألفة مع حدث ما، يمكن نسبيا تحويله بسهولة إلى اعتقاد راسخ بأنه قد حصل فعلا، والخطوة التالية المحتملة هي تأويل الأفراد لأفكارهم وتخيلاتهم عن الحدث الهلامي على أنها ذكريات حقيقية. هذا لأنهم لا يستطيعون التمييز بين الأشياء التي وقعت حقا، والأشياء التي اقترحت عليهم”.
وقد وجد بيترز أيضا في دراسته، أن الأشخاص ذوي الذكريات غير المعقولة، هم كذلك أكثر عرضة للاكتئاب ولمواجهة مشاكل في النوم، ويمكن لهذا أيضا أن يجعلهم أكثر عرضة لأخطاء الذاكرة.
ويشير الطبيب النفسي جيم تراكر (Jim Tucker) بالمركز الطبي بجامعة فرجينيا، إلى أن الأشخاص الذين يبحثون عن علاج التناسخ، يعتبرون أكثر عرضة لمواجهة مشاكل نفسية ولديهم قابلية للتأثر بالتنويم المغناطيسي، ما يمكنه أن يفسر الاكتشافات الحديثة.
وأضاف “إذا كان هناك شخص يريد أن ينظر إلى خصائص الأشخاص الذين يزعمون تحت تأثير التنويم المغناطيسي أن لديهم ذكريات حياة سابقة، مقابل أولئك الذين لا يدعون ذلك”، يقول أن “الطريق إلى تصميم الدراسة ستكون باستقدام أشخاص للخضوع للتجربة [أولا]، ومن ثم تنويمهم مغناطيسيا”.
تجارب مماثلة
ليست ذكريات الحياة السابقة هي الذكريات الوحيدة الغير قابلة للتصديق التي درست بهذه الطريقة، فقد وجد ريتشارد ماك نيلي (Richard McNally) وهو أخصائي في علم النفس السريري بجامعة هارفارد، أن الأشخاص الذين يزعمون أنهم مختطفون من قبل الفضائيين، معرضون كذلك بمعدل الضعف لارتكاب أخطاء في تحديد مصدر تلك الذكريات.
يقول ريتشارد ” أما ما قد يجعل الناس أكثر عرضة لارتكاب مثل هذه الأخطاء، يمكن أن تكون نتيجة جانبية لمهارات الصور الحية الخاصة. فقد وجد أن الأشخاص الذين عادة ما يقومون بأخطاء في تحديد المصدر، يستجيبون لتجارب التخيل بقوة أكبر من الأشخاص العاديين، كما يكونون أكثر إبداعا”.
وأضاف ريتشارد أنه “قد يكون من الصعب التمييز بين صورة حية أنتجتها بنفسك، وذكرى إدراك شيء رأيته حقا”.
وأظهرت بعض التجارب الأخرى إلى أي حد يمكن لرواياتنا أن تكون غير صحيحة. وتتجلى ميزة خاصة ومدهشة في الذاكرة، وقدرتها على الخلط بين ما تمت معايشته فعلا وما هو متخيل فقط، في تجربة نشرت عام 2001. حيث عرض رايت (Wright) ولوفتاس (Loftus) وهيل (Hall) فيلما على أشخاص يخضعون للتجربة، ثم طلبوا منهم تخيل التكملة، مع ارشادهم الى الخطوط العريضة لما يجب عليهم تخيله. وطلبوا منهم في المرحلة اللاحقة أن يصفوا الجزء الذي رأوه. أضاف 15% من الأشخاص أجزاء متخيلة للفيلم. وترتفع نسبة محاولات التذكر الخاطئة إلى 41% عندما لا تترك لهم فرصة الحديث، ويتم سؤالهم عما إذا كانوا قد رأوا هذا الحدث أو ذاك في الفيلم.
وفي تجربة لعلم النفس قام بها Loftus (1997)، فقد أظهروا لأشخاص عاديين فيلما تظهر به فتاة يوبخها والدها، لأنها تلهو بمحاذاة حوض السباحة. ولا يقترب الأب من الفتاة أو يلمسها إطلاقا. وينتهي المشهد بصورة الفتاة ووالدها وهما يدخلان إلى المنزل. يليه مشهد للفتاة وهي تشكو لشخص ثالث أنها تلقت صفعة من أبيها قرب المسبح. وطلب بعدها من الأشخاص الخاضعين للتجربة أن يقولوا إذا ماكانوا قد رأوا في الفيلم الأصلي، أن الأب يضع يده على ابنته. فكان رد ثلثهم هو “نعم”… فقد عُدّلت الذكرى، كنتيجة للمعلومات التي لحقت بالحدث.
تجارب زرع الذكريات
كل هذا يدل على أن التفاصيل التي تكون مهمة أحيانا، يمكن أن تشوه، أو تضاف إلى ذكريات حقيقية. ولكن هذا لا يثبت بطبيعة الحال أننا يمكن أن نذهب إلى حد زرع ذكرى مشهد بأكمله، مع أنه لم يحدث قط.
وقد حاول بعض علماء النفس أن يظهروا من خلال التجربة، أن زرع “ذكريات معينة” ليس شيئا بعيد المنال. وقد تمكنوا أيضا، دون تنويم مغناطيسي أو محادثات لا نهاية لها، ومن خلال الاقتراح فقط، من زرع ذكريات غرق أو سفر بواسطة المنطاد. فإن نسبة الأشخاص الذين انتهى بهم المطاف بتبني تلك الذكريات، قد تراوحت بين 15% و50%.
واستخدم كل من Goff وRoediger (1998) عملية بدائية ولكنها فعالة، من أجل زرع ذكرى تتعلق برمي النرد، أو تقبيل ضفدعة بلاستيكية، في يوم معين من الأسبوع السابق، يَومٌ كان يتواجد فيه الأشخاص بالمختبر تحت مراقبة مشددة. فلم يعد هناك شك من أنه من الممكن زرع ذكرى زائفة، عن طريق اقتراح بسيط على الأقل، في نسبة غير ضئيلة من الأشخاص.
هذا الضعف في الذاكرة، وهذه الهشاشة، تجعل من الطبيعي تواجد أشخاص يقولون أنهم شهود على ظواهر خارقة، أو أشخاص لهم ذكريات دقيقة عن أحداث خارقة لم تحدث قط من قبل.
Real science
إضافة تعليق جديد