تعيين قاضيات مصريات يفجر جدلا فقهيا وقانونيا
وسط جدل قضائي وديني واسع، أصدر مجلس القضاء الأعلى المصري قرارا بتعيين 31 قاضية لأول مرة بتاريخ البلاد. وتباينت مواقف القضاة وعلماء الدين بين مؤيد للقرار يرى فيه نقلة مستحقة والتزاما بمبدأ المساواة فى العمل، وبين معارض يعتبر الخطوة تحديا لتعاليم الدين وتقاليد المجتمع الإسلامي واستجابة للضغوط الغربية.
المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض قال إن القرار جاء استجابة لضغوط غربية، مشيرا إلى أنه لا يستبعد وجود هذه الضغوط في ظل النظرة الغربية المعادية للإسلام وترسخ الاعتقاد الخاطىء لديه بأن المرأة تضطهد فى المجتمعات العربية.
وأضاف مكي أن جمهور علماء الدين يحظرون تولى المرأة منصب القضاء. لكنه شدد فى الوقت نفسه على ضرورة إعادة في ترتيب أولويات الفقه السياسي الحالي لأنه وضع فى عصر مغاير عن العصر الذى نعيشه الآن.
كما اعترض على تعيين القاضيات الجديدات من هيئتي النيابة الإدارية (تختص بالتحقيق في مخالفات الجهاز الإداري للدولة) وقضايا الدولة (تضم محامين يتولون الدفاع أمام القضاء عن إدارات الدولة والحكومة). وقال مكي "هذا ليس الباب الطبيعي لدخول المرأة إلى القضاء، فالمفترض أن تدخل عن طريق النيابة العامة، وهو ما لم يحدث".
وبالمقابل رفض الدكتور عبد المعطي بيومي أستاذ العقيدة والفلسفة وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ما ذهب إليه المستشار مكي. وقال "هذه ثقافة خاطئة علينا ترشيدها لا الاستسلام لها، كما أنها ثقافة دخيلة على الإسلام الذي شهد وجود المفتيات والداعيات منذ زمن النبوة".
وأضاف بيومي، أن الخلاف حول ما إذا كان القضاء ولاية أو وظيفة هو خلاف مفتعل، وأن الشريعة الإسلامية لا تمنع تولي المرأة منصب القضاء سواء كان ذلك من أمور الولاية أو مجرد وظيفة إدارية.
واعتبر أستاذ العقيدة والفلسفة أن الخلاف الفقهي حول تلك القضية "حسم عندما تساوت الأدلة لدى الفريقين وتدخل ولي الأمر لترجيح إحدى الكفتين لصالح تولي المرأة القضاء" لافتا إلى أن الإسلام لا يقيم دليلا علي وجود فوارق بين الذكر والأنثى في التفكير والعمل.
رئيس نادي مجلس الدولة المستشار يحيي راغب دكروري، أكد أن تعيين المرأة "قاضية" يخالف الشرع والدستور. وقال "كيف نترك إجماع الفقهاء بعدم جواز تولي المرأة القضاء، ونأخذ برأي الحنفية الذين أجازوا لها ذلك في غير الحدود والقصاص".
وأوضح دكروري، الذي يشغل أيضا نائب رئيس مجلس الدولة، أن تولي المرأة القضاء يتناقض مع مبادئ المساواة والمواطنة بالنظر إلى الحقوق الدستورية التي تحصل عليها المرأة، ومنها إجازات الوضع ورعاية الطفل وغيرها، والتي لا يتمتع بها القاضي الرجل.
وأضاف أن المواطنين والمتقاضين سيفاجأون بوجود قاضية على المنصة وهي حامل. وأضاف "بالتأكيد أن ذلك سيؤثر علي هيبة القضاء ومظهر القضاة عند الناس، كما أن وضع طفلها قد يؤثر على سير الدعاوى القضائية التي تنظرها".
وفي المقابل، رأى المستشار هشام البسطاويسي نائب رئيس محكمة النقض، أنه لا يوجد فى الدستور أو القانون أو الشريعة الإسلامية ما يمنع تولي المرأة منصب القضاء.
وأكد البسطاويسي أن القول بعدم قبول المجتمع لهذه الوضعية الجديد أمر مردود عليه بأن المجتمع تقبل قبل تولي المرأة مناصب رفيعة عدة كوزيرة وسفيرة.
من جهة أخرى قللت فاطمة لاشين المحامية المصرية -وإحدى أبرز الناشطات المطالبات بتعيين المرأة في السلك القضائي- من أهمية الخطوة الجديدة.
وقالت إن قرار المجلس الأعلى للقضاء "ليس كافيا لأنه اقتصر على تعيين سيدات يعملن في حقل النيابة الإدارية فقط من دون محاميات أو متخصصات قانونيات لا يعملن في الدولة".
وطالبت الناشطة المصرية -التي تخوض منذ 15 عاما معركة قضائية من أجل تعيينها في السلك القضائي- بأن يتم تعيين السيدات في كل مجالات القضاء وأنواع المحاكم وليس في محاكم الأسرة فقط.
ولم يكن هناك أي تشريع يمنع المرأة المصرية -التي حصلت على حقوقها السياسية في عام 1956- من التعيين في القضاء. ولكن هذا الميدان حظر عليها بحكم الأمر الواقع والعرف السائد، حيث سبقت امرأة وحيدة القاضيات الجديدات في العمل بسلك القضاء وهي المستشارة تهاني الجبالي التي تم تعيينها عام 2003 قاضيا بالمحكمة الدستورية العليا.
محمود جمعة
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد