المهندس ذاب في سرير الخديوي بحثاً عن زمن مفقود
شويكار بكت... انهارت وهي تودّع أول من أمس زوجها السابق ورفيق دربها فؤاد المهندس. هكذا، رحل المهندس تدريجاً، ذاب وحده في سرير الخديوي الذي كان اشتراه من المزاد ووضعه في قلب حجرة نوم واسعة في الزمالك، تحيط به على الجدران 22 ساعة.
حكايات كثيرة عن رجل رفض الطريق التي رسمها له ذووه: أراد مرة تربية أسد في منزله بعدما خاف من أسد قفز إلى موقع التصوير. هو أيضاً ذلك العجوز الثمانيني الذي لم يخجل من إطلاق صيحات الإعجاب بطريقته الشغوفة بالجمال والحياة: "أوه نانسي عجرم. إنها أجمل امرأة في العالم”.
عندما ظهر في أواخر الخمسينيات من القرن المنصرم، لم يكن فؤاد المهندس مشروع كوميدي بملامح مميزة. إذ لم يكن يملك سذاجة اسماعيل ياسين ولا ريفيّته... المهندس هو ابن منطقة العباسية، أي ملعب برجوازية ما بعد الحرب العالمية الثانية. تربّى في منزل مسحور باللغة العربية وثقافتها، فوالده خرّيج جامعة، وعميد كلية دار العلوم.
كان أمل العائلة أن يكون فؤاد امتداداً للأب خفيف الظل، على رغم أنه حارس من حرّاس اللغة الرصينة. لكن فؤاد سار عكس التيار، معلناً تمرّده باكراً.
وعلى رغم أنّه تخرّج من كلية التجارة عام 1948، اختار التمثيل والمسرح شغفاً دائماً لم تطفئه العقبات التي واجهها في مشواره. “افندي” يختلف طبعاً عن اسماعيل ياسين الحالم بارتداء بذلة الأفندية. مفارقات المهندس الكوميدية لم تنفجر على غفلة كما في حال اسماعيل ياسين، بل من إخلاص ونقاء تميّز أخلاق البرجوازية الصغيرة المحافظة.
فؤاد اختفى من الشاشة بعد ظهور عادل إمام وجيله، انسحب إلى عالمه المفضّل: المسرح. ظل يداعب ذكريات كان حلمها الأول مع الرائد المسرحي الكوميدي نجيب الريحاني. إذ قال له يوماً: "لا تتبعني”. واستعاد إعجابه الأول بتشارلي شابلن والهولندي غروشو ماركس اللذين تعلّم منهما التعبير بالجسد.
بطل بمقاييس قديمة دفعته إلى العودة إلى مكانه الأول، الإذاعة والتواصل اليومي مع الناس: وجاء برنامجه “كلمتين وبس” رسالة يومية وعرفاناً للمكان الذي انطلق منه يوم اكتشف موهبته زوج شقيقته بابا شارو في برنامج للأطفال، ثم عبر شخصية محمود، الزوج الساذج في “ساعة لقلبك”.
لم يكن المهندس مجرد كوميدي عابر، بل أكمل نفسه حين جعله عبد المنعم مدبولي يكتشف أن أسلوبه قريب من أسلوب نجيب الريحاني. واكتشف هو أنّه لم يخن أحلام العائلة ولا دروس الأب عن العلم والثقافة. وهو أيضاً لم يخن قسوة الأم التي لم تتصوّر يوماً أن ابنها الذي صرخت فيه للنزول عن خشبة المسرح وهو صغير، ستستهويه اللعبة ويصبح بطلها... عاشق الساعات التي يزيّن بها حجرة نومه، إنّما كان يبحث في عقاربها عن زمن مفقود!
وائل عبد الفتاح
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد