المرأة في رسائل أمين الريحاني
تنوعت رسائل أمين الريحاني (فيلسوف الفريكة)، فقد كتب بعضها إلى أفراد عائلته، وبعضها إلى أصدقائه ومعارفه من كبار رجال السياسة من الملوك والأمراء ورؤساء الحكومات والوزراء والأدباء والشعراء ورجال الفكر وغيرهم.
بلغ عدد الرسائل التي جمعها له أخوه ألبيرت الريحاني ونشرها عام 1959 أربعمئة رسالة، من أصل ثلاثة آلاف كتبها بالعربية والانكليزية في أربع وأربعين سنة (1896-1940) وهي السنة التي مات فيها.. بعضها مؤرخ وبعضها خال من التاريخ، ومن المؤسف أن هذه الرسائل لم تدرس حتى الآن..
إن هذا العدد الضخم من الرسائل يدل على الصلة الوثيقة والواسعة التي كانت تربط الريحاني بأعلام عصره من الأقطار العربية والمهاجر، أما رسائله العائلية فتشير إلى عاطفته ومحبته لأهله وسؤاله عن أحوالهم واهتمامه بهم.
بعض هذه الرسائل موجه إلى أهله وعائلته، وبعضها إلى ملوك وأمراء ورؤساء.. كالملك فيصل الأول، والملك عبد العزيز آل سعود، والملك غازي الأول، والملك حسين، وشاه إيران رضا بهلوي، ورئيس جمهورية لبنان شارل دباس، والرئيس شكري القوتلي، والعلامة فارس الخوري، وأحمد الجابر حاكم الكويت، والإمام يحيى ملك اليمن، ونوري السعيد..
ومن الشخصيات التي راسلها: محمد رضا الشبيبي، وأحمد زكي باشا (شيخ العروبة) والأمير شكيب أرسلان، ورستم حيدر، والحاج أمين الحسيني وغيرهم.
ومن الأدباء والشعراء: أحمد شوقي، وخليل مطران، وجميل صدقي الزهاوي، ومعروف الرصافي، وبشارة الخوري (الأخطل الصغير)، وشبلي الملاط (شاعر الأرز) ومحمد كرد علي، وجبران خليل جبران، وميخائيل نعيمه، ومي زياده، وماري عجمي، وماريني عطا الله، ولويس ماسينيون، وكراتشكوفسكي وغيرهم.. وأغلبها صادر عن قريته (الفريكة) وبعضها الآخر عن نيويورك.
تتمتع المرأة بنصيب وافر من فكر الريحاني، فهو يدعو إلى تحريرها وإعطائها حقوقها وتعليمها لتكون أماً مثقفة تحسن تربية أولادها.. قال عنها في إحدى رسائله عام 1909 «المدينة العظمى هي التي لاتكره فيها المرأة على الإقامة مع رجل لاتحبه، ولا الرجل مع امرأة لايحبها. هي التي تكثر فيها الأمهات الحازمات العزومات المدركات ماسما من مقاصد الحياة، فلا يعلمن أولادهن الخرافة والكذب والمراوغة، ولا يعودونهم الطاعة العمياء والخوف. المدينة العظمى هي التي تسير النساء في أسواقها سافرات، ويحضرن الاجتماعات العمومية كالرجال، ويشاركن كالرجال في البحث والإرشاد..»
رسائل الحب قليلة عنده، ولايذكر اسم الحبيبة، فقد قال في رسالة مطولة كتبها من باريس سنة 1911: «ماأجمل أيام الحب ياحبيبة قلبي وماأقصرها، وماأحلى سكرات الحب يانور عيني وحياتي، وماأبصر صاحبها، فهو يرى مالايراه الناس، يرى مالايراه غير الآلهة. حبذا عيون الحب أنظر فيها إلى كل شيء، فتريني الدنيا جنة، ولاجنات أصحاب النبوات.
حبذا ساعة يغفو عنها الزمان فتبقى لنا مدى الدهر... إن يوم الحب في جبين الدهر كقوس قزح في كبد السماء، أو كبخور مريم في تحاريب الصخور في لبنان، أو كالدفلى على ضفاف الأنهار، أو كالورد الجوري بين الأدغال.
إن حبك ياحبيبة قلبي هو قوس قزح في سمائي، وهو العصفر في حقل نفسي، وهو كالورد بين أدغال حظي، قبلت اليوم جسدك قبلات حب هو من الأرض من تراب بلادي، وأقبل الليلة روحك قبلات حب هو من السماء.. من سماء أحلامي، فما أجمل الحب وماأمجده متى اشترك فيه القلب والروح والجسد، وماكان أجمل من حبنا حب، وماكان أمجد منه لافي الأرض ولا في السماء، التقينا كما تلتقي الأمواج، وسلمنا كما يسلم المؤمنون (ونحن ندين بدين الحب)، وتحدثنا كما تتحدث الآلهة، وتعانقنا كما تتعانق العرائش والأغصان، وامتزجت أنفاسنا بعضها ببعض امتزاج النور بالأزهار.
كنا في عالم لم يكن فيه من البشر سوانا... أحببنا حب عاشقين في مملكة لاحكم فيها لغير قلب واحد مركب من قلبك وقلبي، كنت في هذه المدينة العظيمة كل مافي المدينة... سرت في الأسواق وعيني لاترى في باريسيات الجمال سواك... وماسمعت أذناي في موسيقا الخيال وموسيقا المسارح، وفي أصوات ربات السرور سوى صوت حبك.
وقفت أمام مسارح باريس، وفي متاحفها فسمعتها كلها تقول: العقل شيدني بأيدي الحب، وزينني بأيدي الحب، وأنارني بشمس الحب، وأغناني بكنوز الحب، فما أجمل الحب وماأحلاه من قلبك ومن روحك ومن جسدك، وماألذه من عينك ومن يدك ومن فمك ومن صدرك ومن كل ذرة في جسمك السماوي.
عدت في هذه الساعة إلى غرفتي، الغرفة التي قدسها حبنا، فقبلت الكرسي الذي كنت تجلسين عليه، وقبلت الأرض التي وطئتها حافية، وقبلت الفراش الذي ضمخته بطيب جسدك وبأريج نفسك وغداً صباحاً أقبل الباب الذي كنت تطرقينه وتفتحينه بيدك الجميلة، وأهجر غرفة ملأناها حباً ونوراً وبخوراً.
كان الريحاني يشكو من صعوبة العربية، فكتب سنة 1906 إلى خليل مطران يسأله أن يهديه إلى كتاب لدرس النحو غير «بحث المطالب» و«ابن عقيل»، وكانت لغته في رسائله الأولى ضعيفة ومليئة بالأخطاء اللغوية، لكنه حسن أسلوبه ومستواه الكتابي فيما بعد، حتى غدا في طليعة كتاب المهجر..
ويعود سبب ضعفه في اللغة إلى أنه سافر باكراً إلى الولايات المتحدة، واضطر إلى الاعتماد على نفسه في درسها وتعلمها.
عيسى فتوح
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد